- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (022)سورة الحج
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
معنى الربوبية ولوازمها :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ مع الدرس الأول من سورة الحج .
بسم الله الرحمن الرحيم :
أيها الإخوة الأكارم ؛ يوجِّه ربنا سبحانه وتعالى الخطاب إلى الناس كافَّة ، لأن الناس جميعاً مدعوُّون إلى الإيمان به ، ومعرفته ، والاستقامة على أمره ، والدين الإسلامي رحمةٌ للعالمين ، وهو دين البشريَّة ، لذلك تكثُرُ كلمة يا أيها الناس.
﴿
أمّا كلمة " ربّكم " فهذا اسم من أسماء الله ، الربُّ ، وفي معنى الرب تتلخَّص الربوبيَّة ، والرب هو الذي يُمِدُّ المخلوق بما يحتاج من أشياء مادية تعينه على حياته ، ومن تربيةٍ نفسية ، فإذا قُلت :
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)﴾
أي أن هذه العوالم جميعاً ربُّها الله الذي يمدُّها ، هذا الهواء الذي نستنشقه هو من عند ربِّ العالمين ، هذا الماء الذي نشربه ، هذا الماء العَذْبُ الذي صفَّاه الله لنا عن طريق الشمس ، والسحب ، والأمطار ، والينابيع ، هو من عند الله رب العالمين ، هذا القمح الذي نأكله ، وهذه الخضراوات التي نأكلها ، وتلك الفواكه التي نأكلها ، وهذه الحاجات ، هذه المعادن التي أودعها الله في الأرض ، وهذه المخلوقات التي سُخِّرَت لنا ، إنها كلّها من عند الله رب العالمين ، لذلك أوَّل آيات الفاتحة ..
تعريف التقوى :
ولها تعريفٌ آخر : الإنسان متى يتقي الخطر ؟ إذا رآه ، كيف نتقي الأخطار ؟ إنسان يمشي في غابة في ظلامٍ دامس ، فيها حفر ، وفيها أكمات ، وفيها حشرات ، وفيها أفاعٍ ، وفيها ثمرات ، كيف يتَّقي الخطر؟ كيف يتقي الوقوع في الحفر ؟ كيف يتقي الأكمات ؟ كيف ينجو من الأفاعي والحشرات ؟ هذا يكون بمصباحٍ كشَّاف يرى به الحفرة فيحيد عنها ، يرى بهذا المصباح الحشرة فيقتُلها ، يرى الثمرة فيأكلها ، فأصل التقوى أن تقي نفسك الخطر بطاعة ربِّك ، هذا الأصل.
ولكن السؤال الآخر : كيف تتقي هذا الخطر ؟ أن تستنير بنوره ، بنور الله ترى الخير خيراً والشر شراً ، بنور الله ترى الحقَّ حقَّاً والباطل باطلاً ، بنور الله ترى ما يجوز ، وما لا يجوز ، ما يُسعدك ، وما يشقيك ، بنور الله تهتدي ، بنور الله تُبْصِر .
كيف أن العين على عظمتها ، وعلى دقَّة تكوينها لا قيمة لها من دون أنوار ، لو أن الإنسان يملك عينين حادَّتين ، أعلى درجة في الرؤية ، وجلس في بيتٍ مظلم ما قيمة العَينين ؟ لا قيمة لهما إلا بضياء الشمس ، أو بضياءٍ آخر ، قيمة العين بالنور الذي يسقط على الأشياء فتراه العين ، وقيمة العقل بنور الله عزَّ وجل ، العقل من دون نور الله عزَّ وجل يتيهُ ، ويضلُّ ، ويكفر .
﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ﴾
فلذلك :
معرفة الله لا تكون إلا بالاستقامة على أمره :
الآن السؤال اللاحق : كيف نعرفه ؟ لابدَّ أن تستقيم على أمره ، إذا استقمت على أمره تُقْبِلُ عليه ، فإذا أقبلت عليه ألقى الله في قلبك نوراً يهديك إلى سواء السبيل .
﴿
بنور الله عزَّ وجل تهتدي ..
﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ
هل نفعه إسلامُهُ ؟ لم ينفعه إسلامه ، هل نفعته معرفته ؟ لم تنفعه معرفته ، فلذلك :
حقيقة الزلزلة العظمى :
الله سبحانه وتعالى بعد هذا الأمر يأتي بالمؤيِّد القانوني ، ما من نظامٍ ، ولا قرارٍ ، ولا مرسومٍ إلا ويُذَيَّل بالعقوبات التي تنزل بساحة المُخالِف ، فربنا سبحانه وتعالى يبيِّن أنكم إذا لم تتقوا الله عزَّ وجل ، إذا لم تتقوا ربكم فإن :
بعض الزلازل ، الأخبار التي نستمع إليها لشدَّة هولها لا تُصَدَّق ، ونحن في الدنيا نسمع هذه الأنباء ، فما بالك بالأخبار التي يخبرنا الله عنها يوم تقوم الساعة ؟!
﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ
ليلاً على أناس ، ونهاراً على أناس ، أي أن هذا الأمر يَعُمُّ الكرة الأرضيَّة ، وهذه إشارةٌ لطيفة إلى كرويَّة الأرض ، ليلاً أو نهاراً ..
السؤال الآن : لِمَ لَمْ يقل الله عزَّ وجل : يوم ترونها تذهل كل مرضعٍ ؟ لأن الصفات الخاصَّة بالنساء لا تؤَنَّث ، تقول : امرأةٌ طالق ، وامرأةٌ ثيِّب ، وامرأةٌ بِكر ، وامرأةٌ مُرضع ، وامرأةٌ حامل ، أما إذا قلت : امرأةٌ حاملةٌ أي على ظهرها ، إذا قلت : امرأةٌ حامل أي في بطنها ، إذا قلت : امرأةٌ مُرضع أي أنها في طور الإرضاع ، ولو أنها الآن لا ترضع طفلها ، هذه امرأةٌ مرضع ، أي منذ فترةٍ قد ولَدَتْ ، وهي في طور إرضاع صغيرها ، أما إذا قلت : امرأةٌ مرضعةٌ أي أنها تضع صغيرها على ثديها ، هذه أبلغ ، كل امرأةٍ في طور الإرضاع اسمها : مرضع ، أما المرأة التي تضع صغيرها على ثديها ، وهو يرضع من ثديها ، يقال لهذه المرأة الآن : امرأةٌ مرضعةٌ ، هذا هو الفرق بين مُرضع ومرضعة ، فــ
هناك دافعُ الطعام والشراب ، هذا الدافع الأوَّل ، هناك دافع الجنس ، وهناك دافع الأمومة ، أقوى الدوافع التي خلقها الله في الجِنْسِ البشري هو دافع الأمومة ، ومع ذلك :
من علامات المَجاز أنه يَصْدُقُ عليه ضِدُّه ، فلانٌ بهيمةٌ ، وليس بهيمةً ، أي فلانٌ في تفكيره كالبهيمة ، هذا مجاز وليس حقيقة ، لو قلنا : هذه بهيمةٌ ، وأشرنا إلى دابَّة ، فهذه حقيقة ، أما إذا أشرنا إلى إنسان بأنه بهيمة ، ثم قلنا : وليس ببهيمة ، أي أنه يفكِّر ، ويتصرَّف كما لو أنه بهيمة ، لذلك :
عذاب الله عذاب شديد في الدنيا والآخرة :
الباطل باطل وهو زاهق لا محالة :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لم يقل : هو محرَّمٌ ، قال : فاجتنبوه ، أي اجتنابهُ خيرٌ لكم ، أي لم يحرِّم الخمر ، الاجتناب أشدُّ أنواع التحريم ، لأنك إذا أُمِرْتَ أن تجتنب شيئاً يجب أن تبقي بينك وبينه هامشَ أمان ، هذا الاجتناب ، وربنا عزَّ وجل في آيةٍ أخرى تحدَّث عن الأصنام فأمرنا أن نجتنب عبادتها ، فالأمر بالاجتناب من أعلى درجات النَهْي ،
من نتائج موالاة الشيطان الضلال في الدنيا والجحيم في الآخرة :
هذا الشيطان الذي يتبعه تَمَرَّد على الله عزَّ وجل ، وهذا الشيطان الذي يتبعه
الإيمان بالبعث بعد الموت :
أي الإيمان بالبعث بعد الموت ، أي أن الإيمان باليوم الآخر من لوازم الإيمان ، بل من أركان الإيمان ، بل هو الركن الأول الذي يأتي بعد الإيمان بالله عزَّ وجل ، لأنك إن لم تؤمن أن هناك حياةً أبديَّة ، وأن فيها حساباً دقيقاً لكل ما يجري على وجه الأرض إنك لن تستقيم على أمر الله ، لن تستقيم على أمر الله إلا إذا آمنت بحياةٍ بعد هذه الحياة ، تُوفَّى فيها كل نفسٍ ما عَمِلَت ، يُعطى كل ذي حقٍّ حقَّه ، يُؤخذ على يد الظالم ، ويُعطى المظلوم حقَّه من الظالم ، إن لم تؤمن بهذا اليوم بعد الموت فالإيمان باطل ، لأن أركان الإيمان أن تؤمن بالله ، وباليوم الآخر ، وبملائكته ، وكتبه ، ورسله ، والقدر خيره وشرِّه من الله تعالى ..
تفسيرٌ آخر ، سيدنا آدم الذي هو أبو البشر خُلِقَ من تراب ، ثم نفخ الله فيه من روحه فجعله بشراً سويًّا ، إذاً إمّا أنّ سيدنا آدم وهو أبو البشر خُلِقَ من تراب ، وإما أن هذا الماء الذي يُقْذَفُ في رحِم المرأة أصله من تراب ، وإما أن هذا الجسم الذي نما أصله من ترابٍ بمعنى أن الغذاء أصله من تراب ، وان الغذاء أصل هذا الجسم ، فالإنسان أصله من تراب ، كل هذه المعاني صالحة وجيِّدة .
مراحل الجنين في بطن أمه :
1 ـ النطفة :
هذا الماء الذي يُخَلَّق في الخصيتين ، وهناك حكمةٌ بالغة من كون هاتين الخِصيتين خارج الجسم ، لأن حرارة الجسم تُفْسِدُ تصنيع هذه الحيوانات المنويَّة ، لو أن الحرارة في الخصيتين كانت كما هي في الجسم لما خُلِّقَت هذه الحوينات المنويَّة ، على كل هناك حكمةٌ بالغة في هذا الخلق .
شيءٌ آخر ؛ أن الله سبحانه وتعالى هذه الحيوانات يزيد عددها في اللقاء الواحد عن ثلاثمئة مليون حيوان منوي ، لا يصل منها إلى البويضة التي سوف تلقَّح بأحدها إلا خمسمئة حيوان ، وأن هذه الحيوانات المنويَّة تمتحن ، تُخْتَبَرُ قوَّتها في أثناء الطريق إلى لقاء البويضة ، البويضة تخرج من المبيض في أحد الأنبوبين اللذين يؤديان إلى الرحم ، هنا يتم اللقاء بين الحيوانات المنوية وبين البويضة ، من ثلاثمئة مليون حُوين منوي لا يصل إلى البويضة إلا خمسمئة ، وهذه الخمسمئة تختار البويضة واحداً منها هو أقواها .
لذلك في رأس هذا الحُوين المنوي مادّة ، حينما يتجه نحو البويضة تنفجر قلنسوة في رأسِهِ فيخرج منها سائلٌ يذيب جدار البويضة ، والبويضة تستجيب لهذا الدخول ، وبعد أن يدخل هذا الحيوان المنوي إلى البويضة تُغْلِق الطريق على جميع من كان حولها من هذه الحوينات الخمسمئة ، فهذه النطفة المكوَّنة من ثلاثمئة مليون تختار البويضة أقواها للتلقيح.
أما مبيض المرأة فالله سبحانه وتعالى يخلق فيه ستة ملايين بويضة ، أيْ في مبيض الفتاة الصغيرة ما يزيد عن ستة ملايين بويضة فإذا بَلَغَت هذه الفتاة سنَّ المحيض لا يبقى في مبيضها إلا ثلاثون ألف بويضة ، والله سبحانه وتعالى لا يُنْضِجُ من هذه الثلاثين ألفاً إلا أربعمئة بويضة فقط ،
وسبعٌ وثمانون بالمئة من هذه البويضات تَسْقُطُ في أثناء الدورة من دون أن تعلم المرأة أن هذه البويضة قد لُقِّحَت ، وقد أُشير إلى هذا في بعض الآيات القرآنيَّة وبعض الأحاديث النبويَّة ، حين الحديث عن المضغة المخلَّقة وغير المخلَّقة ، يقول عليه الصلاة والسلام مشيراً إلى الحقيقة العلمية الكُبرى ، أن هذه الحوينات البالغة ثلاثمئة مليون ، الجنين يُخْلَقُ من بويضةٍ ملقَّحةٍ بحوينٍ منويٍّ واحد ، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الإمام مسلم : عن أبي سعيد الخدري :
(( سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ، عَنِ العَزْلِ ، فَقالَ : ما مِن كُلِّ المَاءِ يَكونُ الوَلَدُ ، وإذَا أَرَادَ اللَّهُ خَلْقَ شيءٍ ، لَمْ يَمْنَعْهُ شيءٌ . ))
هذه الحقيقة لم يُتح من قبل أن تُكشَف بالمخابر ، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) ﴾
(( عن علقمة بن قيس عنِ ابنِ مسعودٍ قالَ : إذا وقعتِ النُّطفةُ في الرَّحِمِ بعثَ اللَّهُ ملَكًا فقالَ : يا ربِّ مُخلَّقةٌ أو غيرُ مخلَّقةٍ ؟ فإن قالَ غيرُ مخلَّقةٍ مَجَّها الرَّحِمُ دمًا – فكان المحيض - وإن قالَ مُخلَّقةٌ قالَ : يا ربِّ فما صِفةُ هذِهِ النُّطفةِ ؟ ))
أيْ هذا الحيض هو مضغةٌ غير مخلَّقة ، الشيء الذي يلفت النظر أن المجرى بحسب التحاليل الطبيَّة حامضي القِوام ، والمجرى الحامضي هدفه أن يقتُل كل جرثوم ، بينما الحوين المنوي يسبح في سائلٍ قلوي ، والقلوي لا يتأثَّر بالحامضي ، وهذه من حكمة الله سبحانه وتعالى ، لو أن المجرى حامضي ، والماء الذي تسبح فيه الحوينات حامضي لهلَكَت هذه الحوينات ، ولكنَّ السائل الحامضي يتناسب مع السائل القُلوي ..
شيءٌ آخر عجيبٌ جداً ؛ هو أن كل خليةٍ في الإنسان في نواتها ستة وأربعون موَرِّثًا صبغيًا ، كل خليَّةٍ ؛ خلايا العظام ، وخلايا الشعر ، وخلايا النسيج ، وخلايا الجلد ، أية خليَّةٍ على الإطلاق مؤلَّفة من غشاء خارجي ، ومن هيولى ، ومن نُويَّة ، والنوية فيها مورِّثات ، كروموزومات ، إلا المبيض والحُوين المنوي ، هاتان خليَّتان ، بل إن البويضة أكبر خليَّةٍ في الجنس البشري ، البويضة فيها ثلاثة وعشرون مورِّثاً بدل ستة وأربعين ، وكذلك الحُوين فيه ثلاثة وعشرون مورِّثًا ، فإذا التقت البويضة بالحوين ، واتحدا أصبحت خليةً فيها ستة وأربعون مورِّثاً ، قاعدة لا تشُذ أبداً إلا في البويضة وفي الحوين
أساساً في الخصية مجرى يزيد طوله على نصف كيلو متر تُصَنَّع فيه الحوينات ، وهذه الحوينات يجري تصنيعها في ثماني عشرة مرحلةً ، فهذا الماء الذي يُقْذَف كان قد صُنِّعَ قبل ثماني عشرة مرحلةً حتى أصبح جاهزاً للقذف ، شيءٌ يأخذ بالألباب ، شيءٌ لا يُصَدَّق ..
﴿
قال العلماء : " النطفة الأمشاج هي البويضة الملقَّحة " ،
أي مورِّثات الحيوان المنوي التقت مع مورِّثات البويضة فشكَّلت ستةً وأربعين زوجاً ، لذلك عُقِدَ في دمشق قبل سنواتٍ عدَّةٍ أسبوعٌ للعلم ، وقد أُلْقِيَت فيه محاضراتٌ من شَتَّى أنحاء العالم حول تحسين النسل ، فما كان من أحد الأطبَّاء - رحمه الله - إلا أن وقف وقال : إنَّ فحوى كل هذه المحاضرات ما ورد في كلمات : اغتربوا ولا تضووا .
أي هذه المورِّثات إذا كان هناك قرابة فالضعف يُكَرَّس ، أما إذا كان هناك تباعد فالصفات الأقوى تغلب الصفات الأضعف ، فدائماً كلَّما تباعد الزوجان جاء النسلُ قوياً ، وكلَّما اقترب الزوجان جاء ضعيفاً ، فإذا كان هناك رضاعة جاء النسل مشوَّهاً ، لذلك .. 
(( عَنْ عَائِشَةَ ، أنَّهَا أَخْبَرَتْهُ : أنَّ عَمَّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ يُسَمَّى أَفْلَحَ . اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا فَحَجَبَتْهُ ، فأخْبَرَتْ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ . فَقالَ لَهَا : لا تَحْتَجِبِي منه ، فإنَّه يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ . ))
فلذلك حكمةٌ بالغة أن البويضة وحدها ، والحوين المنوي وحده فيه من المورِّثات ما يساوي نصف كل خليَّة ، بحيث لو اتحدا لأصبحا خليَّةً كاملة ، هذه أوَّل مرحلة :
2 ـ العلقة :
قال العلماء : هذه البويضة الملقَّحة – وهذه حقائق مذهلة - بعد أربعين ساعة تصبح أربع خلايا ، وبعد ثمانين ساعة تصبح اثنتين وثلاثين خليَّة ،
وبعد خمسة أيَّام تصبح كالتوتة تماماً ، تُسمَّى عند العلماء التوتة لشدَّة انقسامها ، أيْ تنقسم إلى عشرة آلاف خليَّة ، من خليَّةٍ واحدة خلال خمسة أيَّام تنقسم إلى عشرة آلاف خليَّة ، يُسميها العلماء : التوتة ، هذا الانقسام يجري في القناة ما بين المبيَض وبين الرحم ، والشيء العجيب أن هذا الانقسام لو رافقه تَضخم لعلق في الطريق ،
لأن هذه القناة كالأنبوب ، لو كَبُرت هذه البويضة أثناء انقسامها لما أمكن أن تتابع سيرها ، لذلك يجري هذا الانقسام الشديد إلى عشرة آلاف خليَّة دون أن يزداد الحجم من أجل أن تصل هذه البويضة إلى الرحم .
الآن ربنا عزَّ وجل سمَّاها علقة ، العُلماء القُدامى فسَّروا العلقة بأنه دمٌ مُتَجَمِّد ، ولكن البحوث الحديثة تثبت أن التسمية لها علاقةٌ وشيجة بطبيعة العلقة ، إنها من التعَلُّق .
أولاً : هذه البويضة في سطحها الخارجي لها خمائل ، كيف الآن بعض المحافظ بدل القفل يوجد قطعة من القِماش فيها خملات وخَملات أخرى تعلق عليها ، كذلك هذه البويضة لها خمائل ، لمجرَّد أن تصل إلى جدار الرحم ، وفي منطقةٍ خاصَّةٍ من جدار الرحم فإنها تَعْلَق ، وأما خلايا التوتة أو هذه البويضة الملقَّحة فيها خلايا آكلة تأكل من جدار الرحم حتى تنغرس فيه ، وبعد ذلك تأتي المَشيمة ، وتُساعد على لصوق هذه البويضة في جدار الرحم ، وبعدها يأتي المِعْلاق ، وهو غشاءٌ يربط هذه البويضة بالرحم ربطاً كلياً .
أربعة أنواع من التعْلِيق ، تعليق خميلة البويضة ، وتعليق خميلة المشيمة ، والخلايا الآكلة ، والمِعلاق ، هذه كلُّها من أجل أن تلتصق البويضة بجدار الرحم ، وجدار الرحم كأنه عاقل يعرف أن هناك ضيفاً عزيزاً ، طبيعة الجسم البشري تلفظ كل شيء إلا الرحم فإنه يستقبل هذه البويضة مع الترحيب ، ومع الضيافة ، فإن الدماء في هذه المنطقة التي تعلق فيها البويضة تزداد بشكلٍ غريب ، وما الدورة الشهريَّة إلا هذه الدماء التي أُعِدَّت لاستقبال البويضة فلمَّا سقطت البويضة نزلت معها هذه الدماء ، شيءٌ لا يُصَدَّق في هذه العلقة ..
بالمناسبة لا تزيد ثخانتها على ربع ميليمتر ، الحديث لا يزال عن هذه البويضة الملقَّحة التي أصبحت كرةً مجوَّفة ، وقد انقسمت إلى عشرة آلاف خليَّة ، ولصقت بجدار الرحم ، ولا يزيد حجمها عن ربع ميليمتر ، لا تزال .
3 ـ المضغة المخلقة وغير المخلقة :
ثُمَّ يقول الله عزَّ وجل : 
المخلَّقة وغير المخلَّقة ، المخلَّقة تبدو ملامح الأعضاء ؛ ملامح الرأس ، ملامح الجذع ، ملامح الأطراف ، غير المخلَّقة قطعة من اللحم أي مضغة بشكل موحَّد ، وبعضهم قال : " غير المُخلَّقة التي تسقط ، والمُخلَّقة التي يستمرُّ بناؤها " ، هذا تفسيرٌ آخر ، كل هذا في الأسبوع الرابع ، ولكن في الأسبوع الخامس والسادس تتحوَّل هذه المُضغة التي يسميها العلماء الكتل البدنيَّة إلى عظام ، وفي الأسبوع السادس والسابع تُكْسَى هذه العظام بالعضلات ،
ويقول عليه الصلاة والسلام في حديثٍ شريفٍ يُعَدُّ من معجزات النبوَّة ، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام مسلم : عن عامر بن واثلة أبو الطفيل :
(( أنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بنَ مَسْعُودٍ يقولُ : الشَّقِيُّ مَن شَقِيَ في بَطْنِ أُمِّهِ ، وَالسَّعِيدُ مَن وُعِظَ بغَيْرِهِ ، فأتَى رَجُلًا مِن أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُقَالُ له : حُذَيْفَةُ بنُ أَسِيدٍ الغِفَارِيُّ ، فَحَدَّثَهُ بذلكَ مِن قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، فَقالَ : وَكيفَ يَشْقَى رَجُلٌ بغيرِ عَمَلٍ؟ فَقالَ له الرَّجُلُ : أَتَعْجَبُ مِن ذلكَ؟! فإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ : إذَا مَرَّ بالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً ، بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهَا مَلَكًا ، فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا ، ثُمَّ قالَ : يا رَبِّ ، أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ ما شَاءَ ، وَيَكْتُبُ المَلَكُ ، ثُمَّ يقولُ : يا رَبِّ ، أَجَلُهُ؟ فيَقولُ رَبُّكَ ما شَاءَ ، وَيَكْتُبُ المَلَكُ ، ثُمَّ يقولُ : يا رَبِّ ، رِزْقُهُ؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ ما شَاءَ ، وَيَكْتُبُ المَلَكُ ، ثُمَّ يَخْرُجُ المَلَكُ بالصَّحِيفَةِ في يَدِهِ ، فلا يَزِيدُ علَى ما أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ . ))
(( إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ أي ستَّة أسابيع بالضبط ، أي ستَّة في سبعة يساوي اثنين وأربعين .. إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا ، وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا ، ثُمَّ قَالَ : يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَىُ .. وليس في الإمكان لو شققنا بطن المرأة وأخذنا هذه المضغة ، ليس في الإمكان أن نعرف جنسها قبل مرور اثنتين وأربعين ليلةً .. ثُمَّ قَالَ : يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ))
هذا الحديث الذي رواه الإمام مسلم يُعدُّ من معجزات النبوَّة ، أي في الأسبوع السادس مع بداية الأسبوع السابع تنقلب المُضغة المُخَلَّقة إلى عظام ثمَّ تُكسى هذه العظام عضلاتٍ أي لحماً ، وعندها تتحدد الأعضاء ويُعرف ما إذا كان ذكراً أو أنثى بنصِّ الحديث الشريف .
علة خلق الإنسان في المراحل السابقة بيان لعظمة الله :

الآن توصَّل العلماء إلى إدخال مناظير إلى الرحم ، وتصوير الجنين ، عندي صور حول هذا الموضوع لا تصدَّق ، لِما تسبِّب لدى الإنسان من دهشة ، هكذا يتمُّ الخلق ؟ كيف هذا الجنين الصغير يسبح في سائل حوله غشاء ، وغشاء ، وغشاء ، شيءٌ يدعو إلى العجب ، وإلى تسبيح الله وتعظيمه .
تقدير ما يستقر في الأرحام من الأجنة :
مراحل الإنسان بعد خروجه إلى الدنيا :
1 ـ مرحلة الطفولة :
ثم كُسيت العظام لحماً ، ثم جاء المَلَك ، ثم توضحت معالم الأطراف ، ثم ، ثم ، إلى أن أصبح هذا الجنين طفلاً شيء لا يصدق ، هذه آية أيها الإخوة تحت سمعنا وبصرنا ، هذه آيات الله .
﴿
ماذا فعلوا ؟
﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)﴾
هذا الطفل يحتاج إلى طعام خاص ، إلى حليب ، يحتاج إلى عناية فائقة ، إلى تنظيف ، لا يُمسك أمعاءه ، هذا الطفل يحتاج إلى من يعلِّمه القراءة والكتابة ، والنطق والمشي ، والحركة ، إلى أن يصبح هذا الطفل الصغير شابَّاً يافعاً يبلغ أشدَّه ، وقال بعض العلماء : " أشدُّ الإنسان في الأربعين " ، أصبح عاقلاً ، قوي البنية ، مُتَّزِن العاطفة ، بعيد النظر ، يحسن التكلُّم ، يحسن التَصَرُّف .
2 ـ مرحلة الشدة والقوة :
3 ـ الوفاة للبعض :
4 ـ الرد إلى أرذل العمر :
(( من جمع القرآنَ متَّعَه اللهُ بعقلِه حتى يموتَ . ))
هذه ضمانة أيها الإخوة ؛
(( عن عبد الله بن عباس قال : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرجلٍ وهو يَعِظُه : اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ : شبابَك قبل هَرَمِك ، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك ، وغناك قبل فقرِك ، وفراغَك قبل شُغلِك ، وحياتَك قبل موتِك . ))
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) ﴾
هناك رجل حَصَّل أموالاً طائلة ، استغل علمه ، وكان قاسياً في معاملته للمرضى ، قاسياً جداً ، لا يعرف أن المريض قد يكون فقيراً أبداً ، لا يخرج إلا بليرة ذهبية - قصَّة قديمة جداً - في آخر حياته رُدَّ إلى أرذل العمر ، أخرجوه من بيته ، وضعوه في القبو ، رائحته غير المقبولة فاحت أو انتشرت ، نُقِلَ إلى بيتٍ بعيد ، تُلْقِي إليه الخادمة بالطعام إلقاءً ، وتذهب ، يسأل عن زوجته فتقول له : مشغولة ، ثمانية أعوام قضَّاها في بيت أرضي ، أو قبو يلاقي أشدَّ أنواع الإهانة والعذاب ، لكن ..
الاستدلال على البعث بإحياء الأرض بعد موتها :
شيءٌ آخر ؛
﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) ﴾
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين




